القسم الأول: مدخل عام
I) تطور مفهوم علم الاقتصاد :
موضوع دراستنا هو أحد العلوم الإجتماعية، ذلك هو علم الاقتصاد العام الذي ينشغل بأحد الأنشطة الاجتماعية، بالنشاط الاقتصادي للدولة.
وقد تطور هذا العلم ووصل إلى مرحلة متقدمة من التجريد والتعميم والتنسيق من نظرياته وحلوله، بحيث يعتبر علما مستقلا له خصوصيته، وستكون دراسة هذا العلم من الحالة التي وصل إليها الآن.
فكلمة اقتصاد هي من الكلمات الأكثر شيوعا في المرحلة التاريخية التي نعيشها، يستعملها الجميع ويلتقي بها القارئ والمستمع كل يوم في الصحافة والتلفزة، وكلمة اقتصاد يرجع أصلها إلى العهد اليوناني وهي مشتقة من كلمتين : إكوس وتعني المنزل ونرمس تعني القانون (قانون المنزل).
1- تعريف علم الاقتصاد :
لقد تعددت التعاريف الخاصة بعلم الاقتصاد غير أننا يمكن تلخيصها من التعريفين التاليين :
التعريف الأول : هذا التعريف استقر حوله الكثير من المفكرين الاقتصاديين بحيث يحاول أن يربط علم الاقتصاد بالموارد النادرة، واقتصاد الإنسان من مواجهة هذه الندرة أما المفكر الفرنسي ريمون بار يرى أن علم الاقتصاد هو علم يدرس كيفية تسيير الموارد النادرة وإشكالية تحويل هذه الموارد التي يرغب الإنسان في الحصول عليها (إجتهاد الإنسان في تحويل هذه الموارد قصد إشباع حاجته).
التعريف الثاني : إن علم الاقتصاد هو علم دراسة علاقات الأفراد ببعضهم البعض وعلاقتهم بالأشياء وفي سعيهم نحو الحصول على الرفاهية المادية.
ومن هذا التعريف نستخلص أن علم الإقتصاد يهتم بدراسة علاقة الإنسان بالمادة التي يعمل على تحويلها.
من التعريفين السابقين نستخلص أن علم الاقتصاد هو ذلك العلم الذي يدرس فعالية الأفراد/ أو المجتمع التي تبذل في سبيل سد الحاجة البشرية.
فالحاجة هي كل شيء يرغب الإنسان في الحصول عليه وبعبارة أخرى هي كل رغبة تجد ما يشبعها من موارد وهذه الرغبة تتجلى بإلحاح الفرد على تلبية حاجياته، ومن العوامل التي تؤدي إلى نشأة الحاجة :
- قد تكون هذه العوامل راجعة إلى طبيعة الإنسان الفطرية البيولوجية والفيزيولوجية
- قد تكون عوامل خارجية لكون الفرد عضو في المجتمع ويتأثر بظروفه
- الدعاية والإشهار.
وأما تقسيمات الحاجة فيمكن حصرها من النقاط الثلاثة التالية :
- حاجات فيزيولوجية كالأكل والشرب والهواء
- حاجات نفسية كالترفيه
- حاجات كمالية وهي الحاجات التي يستطيع الإنسان الاستغناء عنها وإن لم تكون موجودة فلا تشكل أي خطر عليه.
الحاجة ووسائل إشباعها :
إن من الحقائق التي تواجهها كافة المجتمعات الإنسانية بغض النظر عن التطور الذي وصلت إليه فإن الصراع الكائن بين الفرد والطبيعة لا يزال موجود وبقوة فالفرد في سعيه ونشاطه اليومي تعترضه الصعوبات فمن جهة يحاول إشباع حاجته ومن جهة أخرى تواجهه قلة الموارد (مواد أولية، أو سلع، ....).
العوامل التي تؤدي إلى إنشاء المشكلة الاقتصادية :
من بين العوامل التي تؤدي إلى نشأة المشكلة الاقتصادية ممكن حصرها في النقاط التالية :
- قصور الموارد المتاحة لمجتمع ما وبهذا تواجه الجهة المسؤولة أو المعنية من الوفاء بكل ما يحتاج إليه الأفراد.
- تعدد الحاجات وهذا راجع بالدرجة الأولى إلى التقدم المستمر وتغيير الظروف والمعطيات الاقتصادية المحلية والعالمية.
- سوء تسيير الموارد وعدم التحكم في أسعارها وكميتها وهذا يرجع إلى عدم توفر الخبرة والدراية بواقع السوق مستقبلا وصعوبة التنبؤ.
حل المشكلة الاقتصادية :
وكما ذكرنا سابقا فإن المشكلة الاقتصادية يرجع أصلها إلى ظاهرة الندرة أي ندرة الموارد والتي تنشأ بسبب تراكم الحاجات المتواصلة على الموارد المتاحة، ومن هنا لحل المشكلة ضرورة التضحية ببعض الحاجات من أجل إشباع بعضها الآخر بمعنى أنه يجب على كل مجتمع أن يتخذ الوسائل المناسبة التي تضمن له الاستقرار الاقتصادي وذلك بأن يهتم بتوفير الحاجات التي تعد أساسية وإلى جانب ذلك حسن تسيير لما لديه من الموارد المحدودة للحصول على قدرة معينة من الإشباع.
تعريف الموارد الاقتصادية :
هي الموارد المحدودة التي تستخدم لإشباع الحاجات، لأن كميتها محدودة لا يحصل عليها إلا ببذل جهد من جهة ومن جهة أخرى كونها موارد لها ثمن تقيم به، وأما الموارد الحرة التي لا تتطلب أي جهد من طرف الإنسان تدعى موارد غير إقتصادية.
وأما أنواع الموارد الاقتصادية فهي محددة كما يلي :
- السلع والخدمات الاستهلاكية : وهي مختلف السلع التي تستخدم لإشباع حاجات الإنسان مباشرة وأما الخدمات الاستهلاكية فهي : الصحة والتعليم .....
- السلع والخدمات الإنتاجية : هي تلك الموارد التي تدخل في إنتاج مختلف السلع والخدمات (مثل الآلات الإنتاجية....).
2- الغرض الرئيسي لعلم الاقتصاد :
يرى الكثير من الاقتصاديين أن الهدف من علم الاقتصاد هو معالجة المشكلة الاقتصادية وما يتفرع عنها من مشاكل ثانوية، لدرجة أن البعض يقول أنه لولا وجود المشكلة الاقتصادية لما كانت هناك حاجة لعلم الاقتصاد.
إذ نلخص أهداف علم الاقتصاد بما يلي :
1- يسعى علم الاقتصاد إلى حل جميع المشاكل المتعلقة بـ :
- ماذا ننتج ؟
- كيف تكون طريقة الإنتاج ؟
- كيف يتم توزيع الإنتاج ؟
- ما هي درجة الكفاية التي يتم بها استخدام الموارد ؟
- هل أن استخدام الموارد استخدام أمثل ؟
2- استخدام الموارد الإقتصادية استخدام أمثل (من ناحية النوع والكم، ومن ناحية كيفية استخدام الموارد وتخصيصها).
3- التوزيع الملائم للدخول في المجتمع وكيف يتم هذا التوزيع (وما هي المقاييس مثلا التي تجعلنا ندفع للمزارع أجرا أعلى من المصانع).
4- وظيفة تحقيق التقدم الاقتصادي وكيف يتم تحقيق التقدم والتطور الاقتصادي وذلك عن طريق تحقيق هدف زيادة الدخل الوطني والناتج الوطني الذي يمكن تحقيقه عن طريق :
- التراكم الرأسمالي الإستثمار
- زيادة القوى العاملة
- التطور التكنولوجي.
5- معالجة مشكلة استقرار الأسعار وتجنب التضخم أو الأسعار، أي تحقيق هدف الاستقرار النقدي.
6- إيجاد التوازن بين أهداف المستهلكين والمنتجين مع تحقيق النمو للمجتمع (هدفه هو تحقيق النمو مع التوازن في كافة القطاعات الاقتصادية من إنتاج واستهلاك وما يرافقها من عمل واستثمار).
7- تحقيق التنمية الاقتصادية ومعالجة مشكلة البطالة والفقر والمرض والجهل التي تعاني منها المجتمعات المتأخرة.
8- معالجة مشكلة تلوث البيئة الناجمة عن تطور الصناعة ووضع الحلول الملائمة للتغلب على هذه المشكلة.
9- ويمكن أن يكون هناك هدف آخر لعلم الاقتصاد من مجموع الأهداف السابقة وهو تحقيق الرفاهية للفرد والمجتمع.
3- تطور علم الاقتصاد :
إن علم الاقتصاد هو علم حديث العهدة نسبيا فقبل القرن 17 أو 18 لم يكن هناك شيء اسمه علم الاقتصاد، ففي الوقت الذي نجد فيه الغالبية تعتبر أن ADAM SMITH هو أبو علم الاقتصاد الحديث، ويعتبرون كتابه "بحث في طبيعة وأسباب ثروة الأمم" المنشور عام 1776 بداية التاريخ لعلم الاقتصاد.
فإننا نجد آخرين يقولون أن كتابات الاقتصادي الانجليزي W. Petty في الفترة 1623 – 1874 كانت هي بداية ظهور علم الاقتصاد.
وهناك مجموعة أخرى يقولون أن ولادة علم الاقتصاد كانت منذ ظهور كتابات الطبيب الفرنسي كيناي عميد المدرسة الطبيعية 1698- 1774.
وعلى أي حال من الطبيعي أن هذا العلم الحديث قد مر بعدة مراحل إلى أن وصل إلى ما هو عليه الآن، وفيما يلي نستعرض المراحل المختلفة التي مر بها هذا العلم.
المرحلة الأولى : مرحلة الاقتصاد السياسي (ابتداء من القرن 16)
فمع اكتشاف الأمريكيتين بدأ لظهور اتجاه جديد من "البحث الاقتصادي" وذلك الاتجاه تمثل في عزل الاقتصاد عن الفلسفة والأخلاق، وعندما نجح علماء الاقتصاد من استخدام وسائل علمية مميزة في بحثهم ظهر "علم الاقتصاد" وخلال القرن 18 و19 كان المصطلح الشائع لعلم الاقتصاد هو الاقتصاد السياسي، وأما السبب في شيوع هذا المصطلح فيرجع إلى اهتمام الاقتصاديين بالعوامل السياسية والاجتماعية عند بحثهم للمشاكل الاقتصادية، بل لم يكن مستغربا أن يتجه الاقتصاد لخدمة السياسة حتى قيل أن الاقتصاد هو في خدمة السياسة، ونميز في هذه المرحلة بين مدارس فكرية ثلاثة أو مذاهب فكرية ثلاثة هي :
مذهب الاقتصاد المسخر (المدرسة التجارية)
فبعد عملية الاكتشافات الجغرافية وتوسع التجارة قيل عندها أن الذهب وحده كاف لتحقيق حاجات الإنسان فظهرت هذه النظرية أو المدرسة التجارية وأهم ما نادت به هاته النظرية هو ضرورة تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية وأن الذهب وحده أساس الثورة.
مذهب الاقتصاد الحر (المدرسة الفيزيوقراطية والكلاسيكية)
فالمدرسة الطبيعية (الفيزوقراط) هي التي أرست الأساس الفكري الاقتصادي العلمي، حيث يؤسس فكر هذه المدرسة على وجود نظام طبيعي واضح، سماته الملكية الخاصة والحريات الفردية والسلطة السيادية كحقوق طبيعية. والنشاط الزراعي هو دعامة النشاط الاقتصادي، وتوصي هذه المدرسة كذلك بضرورة تبني التشريع للقانون الطبيعي مع انحسار تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي وقصره على فرض الضرائب.
وأما المدرسة الكلاسيكية (التقليديون) يرون أن الإنسان في سعيه لتحقيق المصلحة الشخصية إنما يقوم في نفس الوقت بتحقيق الصالح العام، وبالتالي فإن وظيفة الدولة ودورها ينحصر في حفظ النظام والأمن الداخلي والخارجي وإقامة العدل بين الناس وتقديم بعض الخدمات العامة، وطالبوا بالحد من الضرائب وعدم التوسع فيها ونادوا بمبدأ حيادية الميزانية العامة. وأما المجالات الأخرى فتترك للقطاع الخاص والذي يكون هدفه هو تحقيق الربح، وهذا ويتصور أن هناك يد خفية تحقق التوازن بين المصالح الخاصة والمصالح العامة.
الاقتصاد الموجه أو التدخلي (جون ستيوارت ميل، ماركس)
يرى هذا الأخير أن نظام الحرية (المنافع الشخصية) هو نظام حتمي في مجال الانتاج ولابد من تدخل الدولة في مجال التوزيع فهو هنا يضيف لدور الدولة توجيه المشاريع الإقتصادية.
وأما ماركس فقد نادى بالملكية الجماعية وإعادة التوزيع على أساس مبدأ "لكل حسب حاجته ومن كل حسب قدرته".
المرحلة الثانية : مرحلة الاقتصاد البحت
فمع أواخر القرن 19 ظهرت المدرسة النيوكلاسيكية بقيادة « Mashall » و"بيجو" قد أعطوا دفعا جديدا لما أصبح يسمى بالاقتصاد البحت الذي يبتعد في الأفكار الاقتصادية عن السياسة، ومن هنا اختفى تدريجيا مفهوم الاقتصاد السياسي.
هذا وقد ساهمت أفكار المدرسة الكينزية (1936) في تصحيح مسار النظام الرأسمالي وذلك لضمان استمراريته، حيث وجه كينز نقدا كبيرا للنظرية الكلاسيكية ونادى بالسياسة الاقتصادية لمعالجة الاختلال وكانت إضافته العملية أنه :
انتقل بالتحليل الاقتصادي من تحليل جزئي إلى تحليل كلي وأدخل أسلوب الأبحاث الإحصائية العامة في صلب الدراسات الاقتصادية التحليلية، أي أنه هو الذي وضع الأسس الأولى للاقتصاد الرياضي، وحتى هنا وجدنا اتجاها جديدا في علم الاقتصاد وهو ما أصبح يعرف باسم الاقتصاد القياسي.