عبد الحق بولغب*
يتحقق من التربية البدنية العديد من الأهداف والغايات التربوية والاجتماعية أكثر مما سواها من التخصصات ومجالات العمل الأخرى، ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى الطبيعة الحركية للتربية البدنية . وتمثل القدوة الحسنة والمثل الأعلى ذلك الشخص الذي تستحق أفعاله وأقواله أن يحتذى بها ويقلد فيها ومن المعلوم أن معلمي التربية البدنية ينظر إليهم تلامذتهم على أنهم قدوة حسنة كغيرهم من المعلمين
وحيث أن الأنشطة الحركية هي أساس التربية البدنية فإنه ليس من المستغرب أن تكون الأنشطة من ضمن معايير القدوة الحسنة فبمجرد أن يؤدي المعلم مهارة من المهارات أمام تلامذته ثم يطلب منهم أن يفعلوا مثله فانه بذلك يصبح قدوة حسنة ومثلاً لأولئك التلاميذ امتثالاً لتعاليم ديننا الحنيف وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
- لقد اتفق الباحثون والخبراء في التربية البدنية أنه لايمكن لأي معلم أن يوصف بالقدوة الحسنة ما لم تكن فيه هذه الصفات وهي:
1- الكفاية المهنية: وهي من أهم الصفات حيث يميل التلاميذ إلى تقليد المعلم الذي يؤدي المهارة بشكل صحيح أكثر من تمثلهم وتقليدهم بالمعلم أقل مهارة . كما أن أداء المعلم للمهارة بشكل صحيح يؤدي إلى تقليل أو انعدام الفرص لكي يتعلم التلميذ المهارة بشكل خاطىء مما يوفر الجهد والوقت على التلميذ فيميل إلى اتخاذ معلمه الذي يؤدي المهارة بشكل صحيح قدوة حسنة يحتذى به .
2- التعزيز: ويرتبط التعزيز مباشرة بالكفاية المهنية حيث لاحظ الباحثون أن قدرة المعلم على تعزيز وتدعيم تعلم تلامذته واستمراره في ذلك يعد من المفاتيح الرئيسة للتدريس الفعال، وهناك العديد من أشكال وأساليب التعزيز فمنها اللفظي ومنها الفعلي ويعتمد ذلك على وضع التلميذ، فبعضهم يعجبه الإطراء العلني أمام زملائه والبعض الأخر يحب أن يكون له دور في عملية إعداد الفصل أو الإحماء أو القيادة ... إلخ.
3- أوجه الشبه: دلت نتائج الأبحاث على أن تعلم التلاميذ يزداد وفي زمن قصير كلما علموا أن هناك أوجه شبه بينهم وبين المعلم (أداء المعلم وسلوكه ) ويستطيع المعلم توظيف ذلك في تعليم المهارات وذلك بأن يصقل مثلاً مهارات مجموعة صغيرة من التلاميذ في كل فصل ممن تتوفر فيهم صفات الاستعداد والدافعية ثم يضع كل واحد منهم على راس مجموعة من التلاميذ ليقوم بنقل وتعليم وتدريب المجموعة على ما سبق له ان تعلمه وتدرب عليه .
4- المصداقية: تعرف مصداقية المعلم بأنها توافق أفعال المعلم مع أقواله ومن الثابت أن التلاميذ يثقون فيما يقوله المعلم ويفعله وبالتالي يفترض في المعلم أن يقدم لهم القدوة الحسنة والمثل الشخصي خصوصا فيما يتعلق في اللياقة البدنية والصحة الشخصية والعدالة والأمانة والمسئولية... وهناك بعض النقاط التي يستطيع المعلم من خلالها أن يكون له مصداقية وبالتالي يكون معلماً قدوة حسنة لطلابه منها :
- أن يحترم وعوده دائماً
- أن يعترف بخطئه وتقصيره
- أن يحرص على الأخلاق الإسلامية الحميدة في كل وقت
- أن يؤدي واجباته بكل اقتدار ومسئولية وفي كل وقت
5- المسؤولية: إتفق الباحثون على أن هناك أربعة مستويات للمسؤولية في التربية البدنية وهي : الاحترام، المشاركة، وتوجيه الذات، والعناية، وهناك العديد من الطرق والأساليب التي يمكن للمعلم أن يسلكها لكي تتحقق فيه صفة المسؤولية حيث يستطيع المعلم أن يعلم التلاميذ المسؤولية عن طريق حثه على المشاركة الفاعلة في الأنشطة بمختلف أنواعها، وكذلك حثهم على التفكير بأن يحث ذاته عوضاً عن التأثر بآراء الزملاء وبذلك تصبح مشاركتهم مشاركة ايجابية ومسؤولة .
6- الحماس: عندما يكون المعلم متحمسا للتغيير وإدخال أساليب تعلم جديدة ومبتكرة فإن التلاميذ يشاركونه ذلك الحماس وهذا مما يعزز دور المعلم كقدوة حيث يسعى التلاميذ إلى تقليد معلمهم والتشبه به، بينما يفقد الاخرون حماسهم ودافعيتهم نحو المشاركة لعدة أسباب من أهمها: الملل والضجر من التكرار الذي يمارسه بعض معلمي التربية البدنية من الذين يصرون على استخدام أسلوب تعلم واحد (طرق تقليدية للدرس ) وهذا بكل تأكيد لا يجعل من المعلم قدوة حسنة يحتذى بها فينفرالتلاميذ ويتجهون إلى المشاركة في الأنشطة الترويحية المصاحبة للدرس ويتهربون من المشاركة الفعالة في موضوع الدرس الأساسي .
7- الاحترام: يتوجب على المعلم أن يقدم نفسه في إطار واضح ومحدد من الإحترام لذاته وتخصصه وطبيعة عمله ليس فقط أمام التلاميذ ولكن أيضا بين أقرانه من المعلمين ومجتمعه التربوي، وتعاون المعلم مع إدارة المدرسة وزملائه المعلمين وقيامه ببعض الأعمال الإضافية والتي لا تتعارض مع عمله الأساسي يشكر عليه وبكل تأكيد يكسب المعلم احترام ذاته واحترام الآخرين له .
ومن احترام المعلم لتلامذته أن يعرف أسمائهم ويناديهم بها فذلك أدعى لزيادة دافعية التعلم لديهم والتعلق بمعلميهم
8- العناية والاهتمام: ينبغي التركيز على العلاقات الأخوية الحميمية والصداقة داخل إطار العملية التدريسية بمعنى إن المنافسة يجب أن تفضي إلى فتح المجال لإقامة العلاقات الاجتماعية والروابط الفردية والشخصية بين التلاميذ .
وهناك حقيقة هامة جداً مفادها أن الاتصال اللفظي المباشر بين المعلم وكل تلميذ على حده ثم بين المعلم وكل التلاميذ معا يؤدي إلى تأهيل صفة العناية والاهتمام من المعلم وتلامذته مما يجعل منه قدوة حسنة ومثلا أعلى للجميع. وهذه الحقيقة تكون عن طريق تبني استراتيجية السؤال والجواب بين المعلم والتلاميذ وصولاً إلى معرفة وفهم واستيعاب المهارة المطبقة طبقاً لمستويات المجال المعرفي.
كما أن على المعلمين إذا أرادوا أن يكونوا قدوة حسنة وصالحة أن يقدموا نماذج سلوكية ايجابية من خلال تصرفاتهم وأفعالهم وأقوالهم ، وليعلموا أن التلاميذ يراقبون ويشاهدون ويحكمون ويتعلمون من معلميهم وهم بحاجة ماسة إلى القدوة الحسنة والنموذج الصحيح ليقتدوا به في ظل ما تعانيه مجتمعاتنا .