أخلاق
النبي صلى الله عليه وسلم مع الملائكة
فإن الملائكة عالم غير عالم
الإنس وعالم الجن، وهو عالم كريم، كله طهر وصفاء ونقاء، وهم كرام أتقياء، يعبدون
الله حق العبادة، ويقومون بتنفيذ ما يأمرهم ، ولا يعصون الله أبداً.
والملك
أصله : ألكَ،
والمألكة، والمألكُ : الرسالة : ومنه اشتق الملائك؛ لأنهم رسل الله .وقيل : اشتق من ( لَ أ ك) والملأكة : الرسالة، وألكني إلى فلان، أي بلغه
عني، والملأك: الملك؛ لأنه يبلغ عن الله تعالى:
وقال بعض المحققين: ((الملك
من الملك. قال: والمتولي من الملائكة شيئاً من السياسات يقال له مَلك , ومن البشر
مَلكِ )) بصائر ذوي التمييز , للفيروز آبادي ( 4/ 524).
والإيمان بالملائكة أصل
من أصول الإيمان، لا يصح إيمان عبد ما لم يؤمن بهم، قال تعالى: { آمن الرسول بما
أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من
رسله } البقرة: 285.
وقال تعالى : {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق
والمغرب. ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين...}
البقرة : 177.
فجعل الله الإيمان هو الإيمان بهذه الجملة. قال تعالى {.... ومن
يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيداً} النساء:
136.
وقد أنكر بعضُ الفلاسفة وأهل البدع هذا العالم الغيبي المخلوق. فمذهبهم
في ذلك (( أنه ليس في الخارج ذات منفصلة تصعد وتنزل وتذهب وتجيء وترى وتخاطب
الرسول. وإنما ذلك عندهم أمور ذهنية لا وجود لها في الأعيان )) انظر : شرح العقيدة
الطحاوية ( 297)
وقال بعض الزائغين إن الملائكة عبارة عن قوى الخير الكامنة
في المخلوقات. كيف هذا ؟ والله سبحانه وتعالى يقول: { الحمد لله فاطر السموات
والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع ...} فاطر آية 1.
إذاً
الواجب علينا أن نؤمن بعالم الملائكة ونصدق بوجودهم ونؤمن بأنهم خلق من خلق الله
مأمورون مكلفون لا يقدرون إلا على ما أقدرهم الله عليه ونؤمن بأنهم يموتون كما يموت
باقي الخلق من الجن والإنس. ونؤمن بأن منهم حملة العرش، ومنهم خزنة جهنم، ومنهم
خزنة الجنة، ومنهم كتبة الأعمال، ومنهم الذين يسوقون السحاب، ونؤمن بأن للملائكة
أسماء كجبريل عليه السلام، وإسرافيل، ومالك، ومنكر، و نكير، وبالجملة نؤمن بكل ما
ورد في كتاب الله وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم عن عالم الملائكة)). راجع
كتاب "الملائكة الأبرار للدكتور عمر الأشقر ". وكتاب "أطيب الكلام في معرفة :
الملائكة والجان."
وبعد هذه المقدمة المختصرة عن عالم الملائكة, فإننا لن
نتكلم عن هذا العالم من حيث خَلقه، ورؤيته، وأعماله وأسمائه، ، وموته، وحياته،
وعبادته، وإنما سنتكلم عن خُلُق النبي (صلى الله عليه وسلم) مع هذا العالم(
الملائكة) فنبرز جوانب مِن أخلاقه عليه الصلاة والسلام مع الملائكة ولا يخفى على
أحد ما كان عليه الحبيب صلوات الله وسلامه عليه من أخلاق عالية ورفيعة. فقد قال
تعالى في هذا : { وإنك لعلى خلق عظيم } القلم 4.
ومعنى الآية الشريفة، وإنك
لعلى أدب رفيع جم، وخلق سني فاضل ، فقد اجتمعت فيك مناقب وكمالات وسمات حسنة من
الحلم والوقار والسكينة والحياء وكثرة العبادة، والصبر على المكاره، والزهد
والرحمة، وحسن العشرة وطيب الخلال.
فهذه الآية الكريمة تدل على المستوى
الرفيع الذي حازه عليه السلام في الأخلاق، فما من شيء يتعلق بجانب الأخلاق إلا وكان
النبي هو القدوة فيه، كيف لا، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( إنما بعثت لأتمم
صالح الأخلاق ) مسند أحمد،وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ص(45). فهو القدوة