ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على التوسعة في صلاة الليل وعدم التحديد
بركعات معينة، وأن السنة أن يصلي المؤمن وهكذا المؤمنة مثنى مثنى، يسلم من كل
اثنتين، ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ
صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى)).
فقوله صلى الله عليه وسلم ((مثنى مثنى)) بمعنى الأمر ـ خبر بمعنى الأمر ـ أي صلوا
في الليل مثنى مثنى، ومعنى مثنى مثنى: يسلم من كل اثنتين، ثم يختم بواحدة وهي
الوتر، وهكذا كان يفعل عليه الصلاة والسلام؛ فإنه كان يصلي من الليل مثنى مثنى ثم
يوتر بواحدة عليه الصلاة والسلام، كما قالت ذلك عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ وابن
عباس وجماعة، فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: كان رسول الله ـ صلى الله عليه
وسلم ـ يصلي من الليل عشر ركعات، يسلم من كل اثنتين ثم يوتر بواحدة، وقالت رضي
الله عنها أيضاً في الصحيحين: ((مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى
عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسَلْ عَنْ
حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا..)).
وقد ظن بعض الناس أن هذه الأربع تؤدى بسلام واحد، وليس الأمر كذلك؛ وإنما مرادها
أنه يسلم من كل اثنتين كما في روايتها السابقة، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((صَلَاةُ
اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى)) ولما ثبت أيضاً في الصحيح من حديث ابن عباس أنه عليه الصلاة
والسلام كان يسلم من كل اثنتين.
وفي قولها رضي الله تعالى عنها: ((مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى
عَشْرَةَ رَكْعَةً)) ما يدل على أن الأفضل في صلاة الليل في رمضان وفي غيره إحدى
عشرة، يسلم من كل اثنتين ويوتر بواحدة، هذا هو الأفضل.
وثبت عنها رضي الله عنها وعن غيرها أيضاً أنه ربما صلى ثلاث عشرة عليه الصلاة
والسلام، هذا أفضل ما ورد، وهذا أصح ما ورد عنه عليه الصلاة والسلام: الإيتاء
بإحدى عشرة أو بثلاث عشرة، والأفضل إحدى عشرة، وإن أوتر بثلاث عشرة فهو
أيضاً سنة وحسن.
وهذا العدد أرفق بالناس، وأعظم للإمام على الخشوع في ركوعه وسجوده وقراءته، وفي
ترتيل القراءة وتدبرها، وفي عدم العجلة في كل شيء.
وإن أوتر بثلاث وعشرين كما فعل ذلك عمر والصحابة رضي الله عنهم في بعض الليالي
من رمضان فلا بأس، فالأمر واسع، وثبت عن عمر والصحابة أيضاً أنهم أوتروا بإحدى
عشرة، كما في حديث عائشة، فقد ثبت عن عمر هذا وهذا، ثبت عنه رضي الله عنه أنه
أمر من عين من الصحابة أن يصلي إحدى عشرة، وثبت عنهم أنهم صلوا بأمره ثلاث
وعشرين، وهذا يدل على التوسعة في هذا، وأن الأمر عند الصحابة واسع، كما دل عليه
قوله عليه الصلاة والسلام: ((صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى)) ولكن الأفضل من حيث فعله
صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة أو ثلاث عشرة، وسبق ما يدل على أن إحدى عشرة
أفضل لقول عائشة رضي الله عنها: ((مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى
إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً)) يعني غالباً
ولهذا ثبت عنها أنه صلى ثلاث عشرة وثبت عن غيرها، فدل
ذلك أن هذا هو الأغلب، وهي تطلع على ما كان يفعله عندها وتسأل أيضاً فإنها كانت
أفقه النساء وأعلم النساء بسنة الرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تخبره عما
يفعله عندها وعما تشاهده وتسأل غيرها من أمهات المؤمنين ومن الصحابة، وتحرص
على العلم، ولهذا حفظت علماً عظيماً وأحاديث كثيرة عن رسول الله عليه الصلاة
والسلام، بسبب حفظها العظيم وسؤالها غيرها من الصحابة عما حفظوا رضي الله عن
الجميع.
وإذا نوّع؛ فصلى في بعض الليالي إحدى عشرة، وفي بعضها ثلاث عشرة فلا حرج
والجميع سنة، ولكن لا يجوز أن يصلي أربعاً جميعاً، بل السنة والواجب أن يصلي ثنتين
ثنتين لقول عليه الصلاة والسلام: ((صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى)) وهذا خبرٌ معناه الأمر.
ولو أوتر بخمس جميعاً أو بثلاث جميعاً بجلسة واحدة فلا بأس، فعله النبي عليه الصلاة
والسلام، لكن لا يصلي أربعاً جميعاً أو ستاً جميعاً أو ثمان جميعاً لأن هذا لم يرد عنه
صلى الله عليه وسلم، ولأنه خلاف الأمر في قوله: ((صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى)) ولو
سرد سبعاً أو تسعاً فلا بأس، ولكن الأفضل أن يجلس السادسة للتشهد الأول أو في
الثامنة للتشهد الأول ثم يقوم يكمل، كلها قد ورد عنه عليه الصلاة والسلام، يجلس في
الثامنة ثم يقوم قبل أن يسلم ثم يأتي بالتاسعة، وهكذا في السادسة من السبع إذا سردها،
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه سرد سبعاً ولم يجلس، الأمر واسع في هذا.
للإمام ابن باز رحمه الله
لكم ودي .. وجنائن وردي