السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
هاهي العشر الأول من رمضان قاربت على الرحيل، . وثمة حديث يخالج النفس في ثنايا هذا الوداع ، تُرى ما ذا حفظت لنا ؟ وما ذا حفظت علينا ؟ إن ثمة تساؤلات عريضة تبعثها النفس في غمار هذا الوداع .
* أول هذه التساؤلات كم تبلغ مساحة هذا الدين من اهتماماتنا ؟ هل نعيش له ؟ أم نعيش لأنفسنا وذواتنا ؟ كم نجهد من أجله ؟ كم يبلغ من مساحة همومنا ؟ إن العيش في حد ذاته يشترك فيه الإنسان مع غيره من المخلوقات ، ولا ينشأ الفرق إلا عندما تسمو الهمم ، وتكبر الأهداف .
وعلى أعتاب العشر الثانية آمل ألا يكون نصيبي ونصيبك قول الله عز وجل (( رضوا بأن يكونوا مع الخوالف )) .
فالسابقون مضوا والسير حفظت لنا قول بكر بن عبد الله : من سره ينظر إلى أعلم رجل أدركناه في زمانه فلينظر إلى الحسن فما أدركنا أعلم منه ، ومن سره أن ينظر إلى أورع رجل أدركناه في زمانه فلينظر إلى ابن سيرين إنه ليدع بعض الحلال تأثماً ، ومن سره أن ينظر إلى أعبد رجل أدركناه فلينظر إلى ثابت البناني فما أدركنا أعبد منه ، ومن سره أن ينظر إلى أحفظ رجل أدركناه في زمانه وأجدر أن يؤدي الحديث كما سمع فلينظر إلى قتادة . ))
وليت شعري أن نكون وإياك أحد هؤلاء .
* سؤال آخر يتردد : حرارة الفرحة التي عشناها في مقدم رمضان تساؤلنا : هل لا زالت قلوبنا تجل الشهر ؟ وتدرك ربيع أيامه ؟ أم أن عواطفنا عادت كأول وهلة باردة في زمن الخيرات ، ضعيفة في أوقات الطاعات ، ورحم الله سلفنا الصالح فلكأنما تقص سيرهم علينا عالماً من الخيال حينما تقول : قال الأوزاعي : كانت لسعيد بن المسيب فضيلة لا نعلمها كانت لأحد من التابعين ، لم تفته الصلاة في جماعة أربعين سنة ، عشرين منها لم ينظر إلى أقفية الناس . وكانت امرأة مسروق تقول : والله ماكان مسروق يصبح ليلة من الليالي إلا وساقاه منتفختان من طول القيام ، وكنت أجلس خلفه فأبكي رحمة له إذا طال عليه الليل وتعب صلى جالساً ولا يترك الصلاة ، وكان إذا فرغ من صلاته يزحف كما يزحف البعير من الضعف . قال أبو مسلم : لو رايت الجنة عياناً أو النار عياناً ما كان عندي مستزاد ، ولو قيل لي إن جهنم تسعّر ما استطعت أن أزيد في عملي . وكان يقول : أيظن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن يسبقونا عليه ، والله لأزاحمهم عليه حتى يعلموا أنهم خلّفوا بعدهم رجالاً .
وفي ظل هذه الأخبار تُرى كم من صلاة في الجماعة ضاعت
؟ وكم نافلة في صراع الأعمال تاهت ؟ تُرى كم من لحوم إخواننا هتكناها بأنيابنا ؟ تُرى كم هي الخيانة التي عاثتها أعيننا في رحاب الحرمات . كم خطت أقدامنا من خطو آثم ؟ كم ، وكم ، من عالم الحرمات هتّكت فيه الأسوار بيننا وبين الخالق ؟ والمعصية أياً كانت ، حتى لو عاقرناها في ليالي رمضان فلا تبقى خندقاً تحاصركم ، وهي كما قال بعض العلماء : (( أي خلال المعصية لا تزهدك فيها ؟ الوقت الذي تقطعه من نفيس عمرك حين تواقعها ، وليس يضيع سدى ، بل يصبح شؤماً عليك ؟ أم الأخدود الذي تحفره في قلبك وعقلك ثم تحشوه برذائل الاعتياد والإلف السيء والإدمان الخبيث ، والذكريات الغابرة التي يحليها لك الشيطان ليدعوك إلى مثلها ، ويشك إليها ؟ ام استثقال الطاعة والعبادة والملل منها وفقد لذتها وغبطتها ، أم اعراض الله عنك وتخليته بينك وبين نفسك حتى وقعت فيما وقعت ، أم الوسم الذي تميزك به حين جعلتك في عداد الأشرار والفجار والعصاة ، أم الخوف من تحول قلبك عن الإسلام حين تجد حشرجة الموت وكرباته وغصصه ، فياولك إن مت على غير ملة الإسلام ! ))
* سؤال ثالث يتردد معاشر الدعاة والمصلحين والمربين عُدوا لي بارك الله فيكم في شهر رمضان فقط : ما ذا قدمتم لمجتمعاتكم من خير ؟ دينكم الذي تتعبدون به هل نجحتم في طريقة عرضه ؟ فالبائع ينجح بقدر ما يحسن في طريقة العرض ، وأنتم أولى هؤلاء بحسن الطريقة ، ونوعية التقديم . مجتمعاتكم بكل من فيها ما ذا قدمتم لها ؟
مسجد الحي ، وجيران البيت ، وأقارب الأسرة ، أولى الناس بمعروفك فأين هم من مساحة اهتماماتك ؟ أسئلة تتردد على الشفاه أوليس رمضان فرصة سانحة للإجابة عنها ؟ أملي أن يكون ذلك . وكل ما أرجوه أن لاتخرج نفسك أخي الفاضل من قطار الدعاة والمصلحين والمربين أياً كنت ، وفي ظل أي ظروف تعيش ، فالمسؤولية فردية. وعندما نحسن فن التهرب من المسؤولية نكون أحوج ما نكون إلى من يأخذ بأيدينا ، ويحاول إخراجنا من التيه الكبير . يقول أبا إسحاق الفزاري : (( ما رأيت مثل الأوزاعي والثوري ، فأما الأوزاعي فكان رجل عامة ، وأما الثوري فكان رجل خاصة ، ولو خيّرت لهذه الأمة لا خترت لها الأوزاعي )) .
* وأخيراً : رحلت العشر الأول ولئن كنا فرطنا فلا ينفع ذواتنا بكاء ولا عويل ، وما بقي أكثر مما فات ، فلنري الله من أنفسنا خيراً ، فالله الله أن يتكرر ...شريط التهاون ، وأن تستمر دواعي الكسل ، فلقيا الشهر غير مؤكدة ، ورحيل الإنسان مُنتظر ، والخسارة مهما كانت بسيطة ضعيفة فهي في ميزان الرجال قبيحة كبيرة . فوداع
اً ياعشر رمضان الأول ، سائلاً الله تعالى أن يكتب لك النجاة ، وأن يجعلك في عداد الفائزين ، وأن يعينك على ما بقي من شهر الخير
العشر الأواسط
اعتكاف الرسول في العشر الأواسط
ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف في العشر الأواسط من رمضان ،
قبل أن يعتكف العشر الأواخر التماسا لليلة القدر ، وذلك قبل أن يتبين له صلى الله عليه وسلم أنها في العشر الأواخر
ثم لما تبين له ذلك اعتكف العشر الأواخر حتى قبضه الله عز وجل ....
فعن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، اعتكف العشر الأوائل من رمضان
، ثم اعتكف العشر الأوسط في قبة تركية على سدتها حصير ،
قال فأخذ الحصير بيده فنحاها ثم أطلع رأسه فكلم الناس فدنوا منه فقال :
" إني اعتكفت العشر الأوائل ألتمس هذه الليلة ثم اعتكفت العشر الأوسط ، ثم أُتيت فقيل لي :
إنها في العشر الأواخر ، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف ، فاعتكف الناس معه "
[ متفق عليه ]
أما بالنسبه للعشر الأواخر من رمضان
ما الذى يجب على عمله فى العشر الاواخر من رمضان؟ وما هى علامات ليلة القدر؟ وكيف أودع هذا الشهر الكريم كمسلم؟
لا شك أن العشر الاواخر من شهر رمضان فيها مزيد فضل على أول رمضان وأوسطه ولهذا آثرها النبي صلى الله عليه وسلم بالاعتكاف فيها.
وفيها ليلة القدر التى هى خير من الف شهر فيجب على المسلم أن يغتنم بلوغه إياها فيكثر من العمل الصالح من صلاة وصدقة وذكر وتلاوة لكتاب الله وكثرة الاستغفار وحمد وتكبير وتهليل وامر بالمعروف ونهى عن المنكر ومن الاعمال الصالحة المختصة بهذه العشر التهجد فى آخر الليل مع الجماعة والمحافظة على صلاة التراويح والبعد عما يفسد العمل ويبطله كالرياء والسمعة والأخذ بالبدع والمستحدثات والمن والأذى عند بذل الصدقات.
ويستحب إيضا الابتهال الى الله تعالى بالدعء والتضرع والتذلل والخشوع والتوبة النصوح أما عن علامات ليلة القدر فأقول أن ارجى ليلة تطلب فيها ليلة القدر هى ليلة سابع وعشرين يتحرى فيها ليلة القدر إلا ان ليلة القدر هى ليلة معينة من رمضان كليلة سابع وعشرين هذا الجزم غير صحيح.
فقد أخفى الله عن عباده هذه الليلة وذكر رسوله الكريم بأن لمتحريها أن يتحراها فى العشر الأواخر وفى افراد لياليها – وليلة السابع والعشرين هى احرى ما يمكن أن تكون فيه وإخفاء الله تعيينها فى ليلة الشهر لحكمة ربانية لعل أهمها ألا يتكلوا ويتركوا العمل الصالح فى غيرها.
ولم تثبت أحاديث صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى علامات تلك الليلة ولكن وردت آثار والله اعلم بصحتها ومنها وجود نور متميز فى تلك الليلة – وأن الحمير لا تنهق فيها والكلاب لا تنبح وتطلع الشمس التالية لليلتها خالية من الشعاع.
أما كيف يودع المسلم شهر رمضان فأنه يجب على المسلمين أن يأخذوا من شهر رمضان درسا نافعاً فى تربية النفس وتهذيب الفؤاد وتقوية الايمان بالله وأن يكون لهم من رمضان فرصة توبة الى الله سبحانه وتعالى وإنابة اليه فى استمرار العمل الصالح بعد رمضان.
فإن الله تعالى ربنا والهنا فى رمضان وفى غير رمضان من أشهر السنة وأيامها فبئس قوم لا يعرفون الله إلا فى رمضان ويجب أن يكون منا معشر المسلمين مزيد تعلق بالله تعالى فى قبوله فلسنا الصالح كانوا يدعون الله سبحانه وتعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ويدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم عملهم فإنما يتقبل الله من المتقين...