غزة- تقرير معا- عيون تقبع خلف الأسوار
الحديدية تنظر لكل زائر جديد أملا منها أن يخفف الحكم عنها أو يمنحها لذة
الإفراج، منهم من وقع في براثن العمالة بإرادته ومنهم من أجبر على ذلك،
سجناء يطرقون باب المصير المجهول، حيث أنهم ارتكبوا جرائم صعبة الغفران.
أساليب
كثيرة من الضغط والابتزاز على المواطن الفلسطيني يستخدمها الاحتلال
الإسرائيلي من أجل الإيقاع به في العمالة، والحصول منه على معلومات عن
المقاومة بمختلف الطرق والوسائل سواء عبر الانترنت أو الاتصال بالهاتف
وغيرها من الأساليب.
مدانون يتسترون على جرائمهم علّ الصمت يمحي
آثار بصماتهم، فبعد محاولات حثيثة للتحدث معهم إلا أن الغالبية رفضت
واختارت الصمت خوفا من الفضيحة، حتى قَبِل أجرؤهم "رامي"- اسم مستعار- أن
يروي قصة وقوعه في حبال العمالة.
مراسل "معا" في غزة أيمن أبو شنب
تجوّل في سجن غزة المركزي الذي تديره أجهزة أمن المقالة، والتقى بالعديد
من المتهمين بالتخابر مع الاحتلال، والذين رفضوا الحديث عن تجاربهم،
باستثناء "رامي" الذي تحدث عن تجربته في "مستنقع" الخيانة، ودوره في تزويد
أجهزة الأمن الإسرائيلية بمعلومات عن ناشطي سرايا القدس الجناح العسكري
لحركة الجهاد الإسلامي شمال قطاع غزة.
في سجن غزة المركزي قرابة 40
متخابرا مع الاحتلال، وذلك حسب المقدم ناصر سليمان مدير عام مراكز الإصلاح
والتأهيل التابعة للحكومة المقالة، وطريقة الوصول لهم في غاية الصعوبة
بسبب الإجراءات الأمنية المشددة وكثرة الأبواب الحديدية.
وسط
أمنيات الخروج للحياة والبدء بصحفة جديدة مع نفسه قال رامي (23 عاما) وهو
من سكان شمال قطاع غزة: "تركت مهنة الحلاقة لان دخلها قليل، وعملت في
التهريب بالتعاون مع أصدقاء لي من عرب إسرائيل داخل الخط الأخضر عبر
الحدود الفاصلة بين غزة وإسرائيل شمال القطاع، وان عملي كان لا يقتصر على
تهريب الأشخاص بل عملت في تهريب الأسلحة أيضا".
العمل في التهريب
ليس عملا سهلا وإنما في غاية الخطورة، لأنك ستكون فريسة سهلة لنيران الجيش
الإسرائيلي إما عن طريق القناصة أو المنطاد أو طائرة حربية.
وأضاف
"أثناء عملية توصيل الأشخاص المُهرّبين داخل إسرائيل أقوم بالدخول معهم
مسافة 200 متر أو أكثر وذلك حسب الوضع الأمني على الحدود شمال القطاع"،
موضحا أنه في إحدى المرات وصل منطقة الطيبة داخل إسرائيل عند احد أصدقائه
الذين يعمل معهم وهو "محمد" من فلسطينيي 48.
وتابع "رامي" الذي
يقيم في غرفة رقم (2) داخل السجن، "وأثناء مكوثي عند صديقي محمد في الطيبة
مدة 3 أيام تعرفت على أخته مريم التي علمت بعد فترة أنها تعمل في
المخابرات الإسرائيلية، وأصبحت على تواصل دائم معي عبر هاتفي المحمول
الاورانج".
"وفي العام 2007 خلال احدى عمليات تهريب الأسلحة تم
اعتقالي من قبل الجيش الإسرائيلي وترحيلي للتحقيق في مركز شرطة سديروت
وقمت بالاتصال مع مريم وأبلغتها أني معقل بتهمة التهريب، فقامت مريم
بالاتصال مع الضابط الإسرائيلي ومن ثم أطلق سراحي".
يضيف "رامي"،
بشأن علاقته مع "مريم" أنها كانت تزوده بالنقود وفي اعتقاده أنها كانت
تدفعها له كمساعدة، مشيراً إلى أن اجمالي ما حصل عليه من "مريم" بلغ 7
آلاف شيقل.
وقال إن "مريم" طلبت منه فجأة التوجه إلى قطاع غزة دون
إبداء الأسباب، وبعد يومين من عودته طلبت منه أن يتوجه إلى الحدود
لمقابلته فوجد نفسه بين مجموعة من ضباط المخابرات الإسرائيلية، على حد
قوله.
وأضاف "تم تهديدي ووضعي تحت الأمر الواقع إما بالسجن 20 عاما
على قضايا مثبتة مثل التهريب والسلاح وصور لي وأنا بزي عسكري في احدى
الاجتياحات للمناطق في الشمال أو القبول بالعمل معهم، ووافقت على العمل
معهم بدل السجن على راتب شهري 1000 دولار أمريكي مقابل إعطائهم معلومات عن
مقاومين من سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي".
وأوضح
أن احد الضباط الإسرائيليين ويدعى (منير) طلب مقابلته لوضعه على جهاز "كشف
الكذب"، وطلب منه تزويده بمعلومات عن أحد عناصر الجهاد وزملائه.
وتابع
"بعد أسبوع فقط من تعاملي مع المخابرات الاسرائيلية تم استدعائي من قبل
القوة التنفيذية التي شكلتها الحكومة المقالة وجرى التحقيق معي في سجن
المشتل التابع لجهاز الأمن الداخلي وخلال التحقيق اعترفت على كل شيء".
هذا وأصدرت المحكمة بالمقالة حكما على رامي بالسجن 10 سنوات بتهمة التخابر مع الاحتلال.
من
جهته، المقدم ناصر سليمان مدير عام مراكز الإصلاح والتأهيل بالحكومة
المقالة أكد وجود قرابة 40 سجينا على خلفية التخابر مع الاحتلال في سجن
غزة، بعضهم محكوم بالسجن لسنوات وآخرون محكومون بالإعدام لحين التصديق على
التنفيذ من قبل "مجلس الوزراء".
وقال سليمان إن المسجونين على
خلفية التخابر مع الاحتلال يعاملون كبقية نزلاء السجن، ويحصلون على كافة
حقوقهم حيث يتم تحويل الاموال لهم "الكنتينة" وتقدم لهم الرعاية الطبية،
أسوة بباقي السجناء، كما يقوم طاقم متخصص من التوجيه السياسي والوعّاظ
بإعطائهم الإرشاد النفسي والديني وعمل ندوات خاصة بهم.
وأشار إلى
أن بعض السجناء استفادوا من "برنامج البطالة" الذي تنظمه وزارة العمل
بالمقالة من خلال حث السجناء على الصلاة والمساعدة في الإرشاد النفسي
ومقابل ذلك يحصل السجين على 800 شيقل شهريا، موضحا أنهم ينظرون إلى
الاحتياج العائلي وليس إلى طبيعة التهم.
وكانت وزارة الداخلية
بالحكومة المقالة أعلنت عن فتح باب التوبة للعملاء ابتداء من يوم السبت 8
أيار- مايو 2010، وحتى نهاية يوم السبت 10 تموز- يوليو 2010، وقالت: "إن
مراكز الشرطة ومقرات المباحث والأمن الداخلي مفتوحة على مدار الساعة
لاستقبال كل من أراد التوبة، كما يمكن لأي من هؤلاء التوجه لمخاتير
العائلات أو للشخصيات الاعتبارية ليعلن التوبة وبالتنسيق مع الجهات
الأمنية المختصة".
وأكدت وزارة الداخلية بالمقالة الحفاظ على كافة
عوامل السرية والأمان لكل من يتقدم "تائباً"، وأن العمل الأمني في اتجاه
العملاء مستمر لن يتوقف.
منقول