حاز ستيفن سبيلبرج على شهرة عالمية لكونه ستيفن سبيلبرج، وبدأ الجميع بدخول أفلامه؛ لأنهم يعرفون بأنه ستيفن سبيلبرج، وهي شهرة لم يحزها أي مخرج آخر رغم وجود مخرجين آخرين يستحقون تلك المكانة في قلوب محبي السينما
ومن هؤلاء المخرجين هناك تيم بورتون ومخرج اليوم جيمس كاميرون، فجيمس كاميرون، ورغم تأثيره الضخم على السينما الهوليودية وتقديمه مجموعة من أهم أفلامها، لا يزال مجهولاً لدرجة ما بين معجبي السينما، ربما لعدم تقديمه عدد كبير من الأفلام بل تقديم فيلم أو فيلمين كل عشر سنوات على الأكثر
كاميرون هو العقل المدبر وراء الجزأين الأول والثاني من سلسلة أفلام Terminator، وهما الجزءان اللذان يستحقان المشاهدة على أي حال، وهو من قدم فيلم الـ Titanic والذي لا يزال الفيلم رقم واحد في الإيرادات والمبيعات في تاريخ السينما على الإطلاق، وهو أيضًا المخرج الذي قدّم الجزء الثاني من سلسلة Aliens الشهيرة، وهو أيضًا أقوى أجزاء تلك السلسلة.
يجيد كاميرون أن يجمع بين القصة الجيدة (بحكم أنه كاتب أفلامه دائمًا) والحبكة الممتازة والتمثيل الجيد والإخراج الدقيق، ناهيك عن همه الأكبر في تقديم آخر صيحات التكنولوجيا في أفلامه المختلفة، لدرجة أنه على استعداد لتأجيل إصدار فيلم أكثر من 12 عامًا كي يستطيع أن يقدمه بالشكل الذي يرغب به.
هذا الإخلاص للفن لن تجده لدى ستيفن سبيلبرج مثلاً، والذي قام بإخراج فيلم Artificial Intelligence: AI على سبيل المثال بمجرد وفاة المخرج ستانلي كوبرك، والذي كان بانتظار التكنولوجيا كي تنتج له روبوتا يبدو كطفل تمامًا ويتحرك كالأطفال ويتحدث كالأطفال، كي يستطيع أن يستخدمه في بطولة ذلك الفيلم.
هذا الإخلاص للفن تجده -طبعًا- في فيلم Avatar.
تمامًا كالـ Avatar الذي تطلب منك المنتديات العربية أن تضعه في البروفايل الخاص بك كي يعبر عنك، آفاتار اليوم هو شخصية بديلة تعبر عن بطل الفيلم جاك سولي، والذي فقد قدرته على تحريك قدميه بعد حادث أليم أثناء عمله في صفوف المارينز، وفاة أخي جاك سولي أيضًا دفعت بخيوط اللعبة كي تتشابك، فأخو جاك، وهو عالم فيزيائي، كان يمتلك بديلاً (آفاتار) يسمح له بالحركة على كوكب يُدعى باندورا في أعماق الكون السحيقة، هذا الآفاتار هو خليط من سكان الكوكب الأصلي ومن DNA البشر يسمح لتكنولوجيا الحضارة الإنسانية بأن يقفز وعيك أنت إلى تلك الشخصية البديلة، كي تستيقظ لتجد نفسك واحدًا من وحوش ذاك الكوكب، طولك ثلاثة أمتار وتمتلك ذيلاً وقرن استشعار، والأجمل من كل هذا، تمتلك قدمين، وتستطيع أن تحركهما.
والآن أنت تتحد مع الكوكب الجديد، تبدأ بالنظر إليه بنظرة محتل له قبل أن تدرك جماله، تدرك قدراته الباطنية وتدرك بأنك -في الواقع- أصبحت تحبه، أصبحت ضد الحرب عليه.
في الفيلم إسقاطات سياسية ضخمة في كل أنحائه، تبدو لك جملة "الحرب على العراق" في كل الزوايا وفي كل الأنحاء، هناك مجموعة من الأشخاص الذين يرفضون الحرب، علماء يريدون أن يبحثوا عن أسباب حقيقية وراء الحرب ويبحثون عن الحقائق وراء التلافيق، في حين هناك رجال دولة ورجال جيش كل ما يرغبون به هو أن يجدوا أحجارًا ثمينة تقبع تحت أرض ذلك الكوكب، سمراء كأنما هي نفط مجمّد، هناك مشهد يقف فيه أحد كبار قادة الحرب ويتحدث، ليبدو كأنما هو جورج دبليو بوش إياه وهو يقف أمام جنوده، يدعوهم للحرب باسم الله وباسم الوطن وباسم الأرض، قبل أن يختبئ مثله مثلهم في أكبر الطائرات المسلحة ويهاجم تلك الأرض النقية بكل قذارة.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي أشاهد فيها فيلمًا ثلاثي الأبعاد، قد شاهدت فيلم "A Christmas Carol" منذ أسبوع أو أسبوعين ولفت نظري إلى أقصى الدرجات جمال هذه التقنية وقدرتها على نقلك إلى عالم السينما وعالم الفيلم نفسه، ولكن الفرق بين فيلم اليوم وفيلم الأسبوع الماضي هو أمر واحد فحسب:
فيلم "A Christmas Carol" هو فيلم يستخدم تقنية ثلاثية الأبعاد لعرض مشاهده، في حين أن فيلم "Avatar" هو فيلم ثلاثي الأبعاد بالفعل، لقد تم صنعه كي يكون ثلاثي الأبعاد بالكامل في كل مشاهده، وتم تقديمه كي يكون أول فيلم ثلاثي الأبعاد حقًا وليس مجرد فيلم آخر يستخدم تلك التقنية في لفت نظرك إليه.
الفرق هنا كالفرق بين السينما الصامتة والسينما ذات الصوت حاليًا، السينما الصامتة كانت تستخدم الموسيقى واللوحات التي كُتب عليها الكلام كي تقدم ما يُقال على الشاشة للمشاهد، في حين أن السينما اليوم تمتلك القدرة على نقل الصوت البشري أيضًا إلى جانب الكلام، الأمر بنفسه التجديد تمامًا.
التمثيل في الفيلم لم يكن مهمًا بدرجة كبيرة بحكم انبهارك بباقي ما في الفيلم من جمال أخاذ ولعب بالأضواء وبالأشياء والشخصيات والحيوانات وكل شيء تستطيع أن تتخيله، ولكن سيجورني ويفر وسام ويرثينتون قدما دورين ممتازين بالفعل في الفيلم، هذا ثاني تعاون بين سيجورني ويفر وجيمس كاميرون منذ فيلم Aliens كما أنه ثاني بطولة لسام ويرثينتون منذ فيلم Terminator Salvation الأخير.
البهارات قد تكون زائدة قليلاً في قصة الفيلم، والتي من الممكن أن تكون متوقعة في كثير من النقاط، ولكن -من جديد- انبهارك بجمال الفيلم نفسه ينسيك ذلك، دائمًا ما يعاني البعض من قدرتهم على توقع أحداث الفيلم بسبب مشاهدتهم المستمرة لأفلام هوليود، الفتاة التي تمارس الخطيئة في أفلام الرعب دائمًا ما تموت ميتة بشعة، أي فتاة تذهب لأخذ حمام ساخن لن تعود بكل تأكيد، الشاب الأسمر سيموت بعد أن يحارب بقسوة، أما بطلة الفيلم فستقع في حب بطل الفيلم بعد وفاة صديقها وحبيبها السابق والذي لم تكن تحبه هي بحق على أي حال، ولكن انبهارك وانجذابك إلى فيلم اليوم لن يسمح لك بالانتباه إلى مثل هذه التكرارات السينمائية، غوصك في عالم كوكب بندورا الساحر وقدرة كاميرون على خلق عالم متكامل بحيواناته ووحوشه وحتى آلهته وشجره ونباته كانت عالية لدرجة لن تسمح لك بأن تفكر مجرد التفكير في توقع الأحداث المستقبلية، أنت لا تمتلك لحظات كافية كي تلتقط أنفاسك ناهيك عن تلك التفكير في مستقبل الفيلم.